Sunday 13 January 2013

دائرة


تأخذك الأيام على محمل الجد أحيانًا، تسمعك، تحاورك، تساومك، و لكنها تلعب بك حال تؤمن بدورانها.  مسكين من أضاف إلى الدورة الحياة، فهو يلحظ تتابع الإشارات و الأمارات، و يصل نقطًا في خياله منثورة، يظنه يلعب معها لكن هيهات

تدور الحياة، و على الظالم تدور الدوائر، كنت أتمنى دائمًا الحياة للأشرار، أتمناها لهم حتى تهرم الحياة أو يهرمون، لكن برغم الدورة، برغم الدائرة، يدور في البال ما ليس في حسبان البشر. يحملون رؤوسهم بين أكتافهم و يذهبون من مكان لآخر، باحثين عن سبب هذا الرأس المليء بالأسئلة

إن الأشياء التي نصنعها هي جزء منا، أقصد نحتاج أن نصنع جزءا منا مفصول عنا كي نكون عصريين. فنحن نأكل بالملعقة لا بأيدينا، ، نصنع جسمًا نسكن فيه، و نستخدم السيارة للحركة، نحن إذًا لا نتكاثر فقط بالولادة، نتكاثر بالأشياء التي نفصلها من أعضائنا

في الآونة الأخيرة أصبحت بصيرة بالحدود، فأنت لا تشعر بها إلا عندما تهزها أو تهزك، الحدود تشبه الجزيرة ، الخضراء، مجموعة من المباني لا تفرض معناها أو وظيفتها على الزائرين، كل شخص يلونها بطبعه، و كل طفل يسميها حسب قوانين لعبته

Friday 4 January 2013

فرادى


 في وصف الألم نستطيع أن نتكلم عن الحزن، الظلم، القمع، التعذيب، الفقد، و لكن من الصعب جدًا فضح الشعور  بالوحدة، فنعالجها أو نخضعها لتعابير عدة؛ غربة، عزلة، هجرة، منفى، سجن. في الغربة إثبات لوجود مجتمع متآلف، و  في العزلة اختيار ابتعاد عن المجتمع، الهجرة بحث لمجتمع آخر، المنفى ابتعاد قسري عن مجتمع معين، و السجن إجبار على المكوث في مكان مخصص بعيد عن الناس. هي كلها تعابير فيها الاختيار أمر واقع إما من الشخص  أو عليه. لكن الوحدة ، هل هي شعور أم صفة؟ هل هي سبب أم عَرَض؟

هل لها مدة؟ أم أنها ظهورٌ طارئ كصور الذاكرة في غمرة حديث شيق. للوحدة كما أتخيل حضور بارد و ما لها موقع يوجع، و لكنها تعمل تدريجيًا على انكماش الجسد. و للوحدة أعوان لغوية كالفردية و الاستقلال و الوحدانية و ربما النرجسية، كيف إذن هو الحوار بينها و بين هؤلاء الأعوان؟ و متى تخرج حالتها الرخوة من هذه الدروع الصلبة؟

نحن نأتي إلى هذه الأرض فرادى و ينسب إلينا اسم و أصل و فصل، نتعلم أن لنا تاريخ يسبب حاضرنا. و نحن نبعث من هذه الدنيا فرادى لكن نبعث مجردين من أهلينا، نبعث عارين من كل صلة، و كأن الصلة هي خطيئتنا الأولى و الأخيرة. نعيش الدنيا موسومين برذيلة التعارف و التواصل، إلى أن ننتهي إلى يقين هذه الوحدة

 إن الوحدة هي أضعف حالات الأنا، و تنبض كالإشارة بقرب الأجل، فهي هاجس مشين نابع بالخير ، تلازمنا فننتفض بفعل شيء جيد لمن هم حولنا. قد لا نشعر بمولد هذه الطاقة، و قد لا ندري سببًا لأفعالنا. قد نسميه أخلاق أو دين أو حب، لكنها محض مادة رخوة في صميم الأنانية تدعى الوحدة


Wednesday 2 January 2013

سنة جديدة

و تبدأ هذه السنة صفحة بيضاء بعد سنين من الصفحات مسودة بالأسئلة، و لأن الأسئلة تتكاثر فلها إذن أصل و نسل و أنساب. عامي الماضي كان منتشرًا بشكل مرعب، و كأني أرسم وردة السجادة، أو العقدة التي تنتشر منها النقوش، ثم انسلت الأيام لخيوط واضحة، لم تكن لتولد مالم أمر بشرايين السنة الماضية، و ما لم أتنفس مشاعري، فالإنسان لا يواجه نفسه أمام المرآة، أو أي انعكاس عبر سطح مصقول، و لكن المواجهة النفسية أدق بكثير مما توقعت. عندما ترى خيط منك في سالفة يرويها إنسان، و تكرر في ذاكرتك جملة لحنية أو أسطورة الكل مقتنع بأسطوريتها

و تتكرر في الذاكرة الحوادث و تتردد و تتباين مظاهر التقديس و التحقير ثم نبدأ نسمي الأشياء بأسمائها، بعدها ندخل في هالة من الحيرة ، لماذا صيرنا الله راغبين؟ و لماذا أعد الله الجنة للمتقين؟ بعد سنوات من التعلم و البحث و التجربة و التساؤل تظن أنك وصلت المستوى المناسب لتختار حياتك، لتختار أصدقاؤك و محيطك و كلماتك التي تعبر عن مشاعرك. و لكن تجد حياتك تتغير بسبب خارج عن إرادتك، و أفعالك تكون لسبب أبعد من وجودك الحالي

تقابل شخص لا تعرفه إطلاقاً و لكن يهزك تأثير هذه المقابلة أكثر من مضمونها، و تكشف لك أبعد مما يستطيع البصر. و نظن أن العلاقة مرتبطة بشخوصها، و لكنها قد تكون جزء من مفهوم كوني أوسع. نعم، هي الحيرة كالجو الغائم، لشخص لا يعرف ماهية المطر و كالغبار لشخص لم يسمع عن ترحال الرمال

لقد ولد الفكر الحداثي سلاسل من العلاقات التفاضلية، فالزمن يعلمنا أن الأحداث تتتابع و تتعاقب، و لذلك نحتاج المقارنة و المفاضلة و الفقه و القياس، إنها النزعة الإنسانية لتأسيس منهج للحياة على هذه الأرض

نولد في هذه الدنيا من ذروة الارتباط بين المرأة و الرجل، يفرض علينا دراسة المنهج الذي انتهجه الآباء، لكننا نضيع بالتوازي ببحر من الحيرة، فالتجربة تنفي المنهج الذي تعلمناه أو تؤكده بشكل منفر أو مقزز. فلا نعلم إذا كانت حياتنا تكفي لصناعة منهج شخصي، و لا نعلم إذا كانت رغبتنا بأمر ما تحمل لنا الخير الذي نأمل. لذلك صعب علي التخطيط، لذلك أستسلم للحين، للآنية لما أستطيع الآن أن أفعل، و أسمي استنتاجاتي فترة وضوح، أو كون مؤقت

و نحن في هذا الكون، نستمد القوة من الخالق الذي تعجز حواسنا عن إدراكه، فنحن لا نستطيع أن نفهم إن كان كنهه كوني أو زمني أو كنه آخر نجهله، و لكن كل ما نحتاجه الآن هو القوة في فضاء غني بالحيرة، قوة تجعلنا نعمل، نصنع و نكون، و نتكاثر

---
اليوم و الغد في المرسم الحر هو آخر يومين للمعرض الذي أقيمه عن الرحلة من الكويت إلى مكة "مدد:رصد الحركة" فيه أستعرض مشاهدات الرحلة و تصورات عن المحيط المدرَك  و علاقة البيئة جغرافيًا بالتحولات و التغيرات الإنسانية